أخبار

اختراق تجاري أمريكا-آسيان يبشر بعلاقة قوية بين الولايات المتحدة والصين في منتدى أبيك

11:13 27/10/2025

بقلم: الدكتور «فار كيم بينغ» ولطفي حمزة

 

كوالالمبور/ 26 أكتوبر/تشرين الأول //برناما//-- يبدو أن الاختراق الثنائي بين ماليزيا والولايات المتحدة، فيما يبرز بسرعة كأنه لحظة حاسمة للنظام الاقتصادي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإنه ليس مجرد صفقة تجارية، بل نموذجًا إستراتيجيًّا.

وبينما تضع ماليزيا والولايات المتحدة معيارًا عاليًا لاتفاقية التجارة الحرة المستقبلية بين الرابطة والولايات المتحدة وإعادة معايرة العلاقة الصينية الأمريكية، تقف المنطقة على أعتاب بنية تجارية وجيوسياسية جديدة.

وقعت الولايات المتحدة وماليزيا اتفاقية التجارة المتبادلة التي تمتد إلى ما هو أبعد من الاقتصاد التقليدي على هامش قمة الآسيان الـ47 في كوالالمبور.

وبموجب الاتفاقية، التزمت الولايات المتحدة بالحفاظ على حد أدنى تعريفة جمركية موحد بنسبة 19 بالمئة على السلع الأصلية من ماليزيا، في حين تعهدت ماليزيا بإصلاحات شاملة، وهي تبسيط متطلبات إصدار شهادات الحلال، وتحرير تدفق البيانات، وقبول معايير السيارات والسلامة الأمريكية، والامتناع عن فرض حصص تصدير على المعادن الحيوية والأرضية النادرة الموجهة للشركات الأمريكية.

إن إدراج المعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة في اتفاقية التجارة يرفع بشأنه إلى عالم سلاسل التوريد الإستراتيجية والسياسة الصناعية، وليس هندسة التعريفة الجمركية فحسب، حيث التزمت ماليزيا "بمنح تراخيص تشغيل ممتدة... بالشراكة مع الشركات الأمريكية" لقطاع الأرضية النادرة.

وتمثل هذه الصفقة تحولًا محوريًّا لم تعد فيه ماليزيا مجرد قاعدة تصنيع في سلسلة القيمة، بل تضع نفسها حلقة وصل للروابط بين الموارد والإبداع بين جنوب شرقي آسيا والولايات المتحدة.

وما يجعل هذا الترتيب الماليزي الأمريكي ذا أهمية كبيرة هو أهميته الأوسع نطاقًا، لأنه يعمل مخططًا لاتفاقية التجارة الحرة المستقبلية بين رابطة الآسيان والولايات المتحدة، فمن خلال هذه اتفاقية التجارة الحرة، التي تشمل التجارة في السلع والخدمات والتدفقات الرقمية والمعادن والتعاون الصناعي، ترفع هذه الصفقة الثنائية معيار المفاوضات الإقليمية.

إذا سعت الرابطة بشكل جماعي إلى إبرام اتفاقية مماثلة مع الولايات المتحدة، فإن هذه السابقة الماليزية تؤسس ركائز أساسية عدة منها، أولا، المعاملة بالمثل للوصول إلى الأسواق، حيث يمكن للصادرات الأمريكية التفضيلية الوصول إليها، وتتكامل سلاسل التوريد في رابطة الآسيان بشكل أعمق.

ثانيًا، التكامل الإستراتيجي لسلسلة القيمة، حيث تصبح المعادن الحيوية والبنية التحتية الرقمية والتصنيع المتقدم جزءًا من الصفقات التجارية، وليس فقط التعريفات الجمركية.

ثالثًا، القواعد التي تتجاوز التعريفات، مثل تدفقات البيانات والحواجز غير الجمركية ومعايير المنتجات والالتزامات البيئية والعمالية، فالصفقة الماليزية الأمريكية، على سبيل المثال، تلزم ماليزيا بحماية عالية المستوى للعمالة والبيئة.

رابعًا، مواءمة مصالح الحلفاء، حيث يشير الاتفاق ضمنيًّا إلى أن الآسيان يمكن أن تشارك مع الولايات المتحدة بوصفها رائدًا مستقلًّا، مما يقدم لدول الآسيان مثالًا على الوكالة.

بالنسبة لرابطة دول جنوب شرق آسيا، هذا يعني أن اتفاقية التجارة الحرة بين الآسيان والولايات المتحدة لم تعد مضاربة، ومن المحتمل أن تكون قابلة للتنفيذ، ومن ثم يحفز نجاح ماليزيا الدول الأعضاء الأخرى على دفع ما هو أبعد من الصفقات الاقتصادية التدريجية نحو اتفاقية تجارة حرة إقليمية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة.

يحمل هذا المسار الماليزي الأمريكي شحنًا جيوسياسيًّا أثقل، فمن الواضح أن إدراج الأرضية النادرة والمعادن الحيوية يستهدف نفوذ سلسلة التوريد الذي تحتفظ به الصين منذ فترة طويلة في هذا القطاع.

في حين سعت الصين إلى الهيمنة على أسواق المعالجة والصادرات الأرضية النادرة لتحقيق ميزة استراتيجية، فيما يعوض الاتفاق الماليزي الأمريكي هذا التأثير بشكل مباشر، مما يشير إلى أنه يمكن فصل سلاسل التوريد في جنوب شرقي آسيا عن مدار بكين.

في الوقت نفسه، تحتفظ ماليزيا بالمرونة للتعامل مع الصين، نظرًا لقاعدة مواردها وعلاقاتها السابقة مع الصين، ويعد هذا التوازن رمزًا للمعضلة الصينية الأمريكية الأوسع نطاقًا في جنوب شرقي آسيا، وهو تعميق العلاقات مع واشنطن دون تنفير بكين.

 

وكالة الأنباء الوطنية الماليزية – برناما//ب.ع س.هـ

 

*الدكتور «فار كيم بينغ»، أستاذ دراسات الآسيان، ومدير معهد الدراسات الدولية ودراسات الآسيان بالجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا.

**لطفي حمزة، زميل باحث في معهد الدراسات الدولية ودراسات الآسيان بالجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا.

والآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الباحثين ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي لبرناما.